728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    اذكروا الله

    أحاديث قدسية

    أحاديث قدسية
    الاثنين، 30 مايو 2016

    الإيمان وأركانه

     


    الأصل الأول الإيمان وأركانه
     




    الأصل الأول
    الإيمان وأركانه



    إِن معتقد السَّلف الصالح- أَهل السّنَّة والجماعة- في أُصول الإِيمان، يتلخص في الإِيمان والتصديق بأَركانه السنة كما أَخبر النبي- صلى الله عليه وسلم -في حديث جبريل - عليه السَّلام- لما جاء يسأَله عن الإِيمان؛ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
    «أَنْ تُؤْمنَ باللهِ، وَمِلاَئِكَته، وَكُتُبِهِ، وَرُسولِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشرِّه» (1) . فالإِيمان يقوم على هذه الأركان الستة؛ فإذا سقط منها ركن لم يكن الإنسان مؤمنا البتَّة؛ لأنَّه فقد ركنا من أَركان الإيمان؛ فالإِيمان لا يقوم إِلَّا على أَركانه تامة، كما لا يقوم البنيان إِلَّا على أَركانه مكتملة. وهذه الأمور الستة هي أَركان الإِيمان، فلا يتم الإِيمان إِلَّا بها جميعا على الوجه الصحيح الذي دلَّ عليه الكتاب والسنَّة، ومن جحد شيئا منها؛ فليس بمؤمن.
    _________
    (1) رواه البخاري ومسلم في: (كتاب الإيمان) .



    [الركن الأول الإيمان بالله]
    [تعريف الإيمان بالله]

    الركن الأول

    الإيمان بالله الإِيمان بالله تعالى؛ هو التصديقُ الجازم بوجود الله، واتصافه بكل صفات الكمال، ونعوت الجلال، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئنانا تُرى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأَوامر الله، واجتناب نواهيه. وهو أَساس العقيدة الإِسلامية ولُبَها؛ فهو الأَصل، وكل أَركان العقيدة مضافة إليه وتابعة له.
    فالإِيمان بالله يتضمن الإيمان بوحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده؛ لأَنَّ وجوده لا شك فيه، وقد دلَّ على وجوده سبحانه وتعالى:
    الفطرةُ، والعقلُ، والشرعُ، والحسُّ.

    [من الإيمان بالله تعالى الإِقرار بأَنواع التوحيد الثلاثة]
    ومن الإيمان بالله تعالى؛ الإِيمان بوحدانيَّته وألوهيته وأَسمائه وصفاته، وذلك بإِقرار أَنواع التوحيد الثلاثة، واعتقادها، والعمل بها، وهي: 1- توحيد الربوبية.
    2 - توحيد الألوهية.
    3 - توحيد الأَسماء والصفات.



    1 - توحيد الربوبية: معناه الاعتقاد الجازم بأَنَ الله وَحْدَهُ رَب كلِّ شيء ومليكه، لا شريك له، وهو الخالق وحده وهو مدبر العالم والمتصرف فيه، وأَنَه خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم، والإِيمان بقضاء الله وقدره وبوحدانيته في ذاته، وخلاصتهُ هو: توحيد الله تعالى بأفعاله.
    وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب الإِيمان بربوبيته سبحانه وتعالى، كما في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] (1) . وقوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] (2) . وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] (3) . وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] (4) . وهذا النوع من التوحيد لم يخالف فيه كفار قريش، وأكثر أَصحاب الملل والدِيانات؛ فكلُهم يعتقدون أَن خالق العالم هو الله وحده، قال الله تبارك وتعالى عنهم:
    {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61] (5) . وقال: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ - قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ - قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ - بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون: 84 - 90] (6) .
    _________
    (1) سورة الفاتحة: الآية، 1.
    (2) سورة الأعراف: الآية، 54.
    (3) سورة البقرة: الآية، 29.
    (4) سورة الذاريات: الآية، 58.
    (5) سورة لقمان: الآية، 25.
    (6) سورة المؤمنون: الآية، 84 - 90.



    وذلك لأَن قلوبَ العباد مفطورةٌ على الإِقرار بربوبيته- سبحانه وتعالى- ولذا فلا يُصْبِحُ مُعْتقِدُه مُوَحِّدا، حتى يلتزم بالنوع الثاني من أَنواع التوحيد، وهو:
    2 - توحيد الألوهية: هو إِفراد الله تعالى بأَفعال العباد، ويسمى توحيد العبادة، ومعناه الاعتقاد الجازم بأن الله- سبحانه وتعالى- هو:
    الإلهُ الحق ولا إِلهَ غيره، وكل معبود سواه باطل، وإفراده تعالى بالعبادة والخضوع والطاعة المطلقة، وأَن لا يشرك به أَحد كائنا من كان، ولا يُصْرَف شيء من العبادة لغيره؛ كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والدعاء، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكُّل، والخوف والرجاء، والحُبّ، وغيرها من أَنواع العبادة الظاهرة والباطنة، وأَن يُعْبَدَ اللهُ بالحُبِّ والخوفِ والرجاءِ جميعا، وعبادتُه ببعضها دون بعض ضلال.



    قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] (1) . وقال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] (2) . وتوحيد الألوهية هو ما دعت إِليه جميع الرُسل، وإنكاره هو الذي أَورد الأُم السابقة موارد الهلاك.
    وهو أَول الدّين وآخره وباطنه وظاهره، وهو أَول دعوة الرسل وآخرها ولأَجله أُرسلت الرسل، وأُنزلت الكُتب، وسُلَت سيوف الجهاد، وفرِقَ بين المؤمنين والكافرين، وبين أَهل الجنة وأَهل النَّار.
    وهو معنى قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات: 35] قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] (3) . ومَن كان ربا خالقا، رازقا، مالكا، متصرفا، محييا، مميتا، موصوفا بكل صفات الكمال، ومنزها من كلّ نقص، بيده كل شيء، وَجَبَ أَن يكون إِلها واحدا لا شريك له، ولا تُصْرَف العبادة إِلا إليه، قال تعالى:
    {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (4) .
    _________
    (1) سورة الفاتحة: الآية، 5.
    (2) سورة المؤمنون: الآية، 117.
    (3) سورة الأنبياء: الآية، 25.
    (4) سورة الذاريات: الآية، 56.



    وتوحيد الربوبية من مقتضيات توحيد الأُلوهية؛ لأنَّ المشركين لم يَعبدوا إِلها واحدا، وإنٌما عَبَدُوا آلهة مُتَعَددَة، وزعموا أَنَّها تقرِّبهم إِلى الله زلفى، وهم مع ذلك معترفون بأَنها لا تضر ولا تنفع، لذلك لم يجعلهم الله مؤمنين رغم اعترافهم بتوحيد الربوبية؛ بل جعلهم في عداد الكافرين بإشراكهم غيره في العبادة.
    ومن هنا يختلف مُعْتَقَدُ السَّلف- أَهل السُنَّة والجماعة- عن غيرهم في الألوهية؛ فلا يعنون كما يعني البعض أَنَ معنى التوحيد أَنَّه لا خالق إِلا الله فحسب؛ بل إِن توحيد الألوهية عندهم لاَ يتحقق إِلا بوجود أَصلين:
    الأَول: أَن تُصرف جميع أَنواع العبادة له- سبحانه- دون ما سواه، ولا يُعْطى المخلوق شيئا من حقوق الخالق وخصائصه.
    فلا يُعبد إِلا الله، ولا يصلى لغير الله، ولا يُسْجَدُ لغير الله، ولا يُنْذَرُ لغير الله، ولا يُتَوكَّلُ على غير الله، وإن توحيد الأُلوهية يقتضي إِفراد الله وحده بالعبادة.
    والعبادة: إِما قول القلب واللسان وإمَّا عمل القلب والجوارح.
    قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163] (1) .
    _________
    (1) سورة الأنعام: الآيتان، 162 - 163.



    وقال. سبحانه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] (1) . الثاني: أَنْ تكون العبادة موافقة لما أَمر الله تعالى به، وأَمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة هو تحقيق شهادة أَن: (لاَ إِلَهَ إِلَّا الله) .
    ومتابعة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- والإِذعان لما أَمر به ونهى عنه هو تحقيق أَنَّ: (مُحَمَدا رَسُولُ الله) .
    فمنهج أَهل السنة والجماعة: أَنَهم يَعْبُدُونَ الله تعالى ولا يشركون به شيئا، فلا يسأَلون إِلِّا الله، ولا يستعينون إِلِّا بالله، ولا يستغيثون إِلا به سبحانه، ولا يتوكلون إِلَّا عليه جلَّ وعلا، ولا يخافون إِلِّا منه، ويتقربون إِلى الله تعالى بطاعته، وعبادته، وبصالح الأَعمال، قال تعالى:
    {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] (2) .
    3 - توحيد الأَسماء والصفات: معناه الاعتقاد الجازم بأَنَّ الله- عزَّ وجلَّ- له الأَسماء الحسنى والصفات العُلى، وهو متَّصف بجميع صفات الكمال، ومنزَّهٌ عن جميع صفات النقص، متفرد بذلك عن جميع الكائنات.
    _________
    (1) سورة الزمر: الآية، 3.
    (2) سورة النساء: الآية، 36.



    وأَهل السُنّة والجماعة: يَعْرِفُونَ ربهم بصفاته الواردة في القرآن والسنَة، ويصفون ربَّهم بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسولهُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا يحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه، ولا يُلحدون (1) في أَسمائه وآياته، ويثبتون لله ما أَثبته لنفسه من غير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تحريف، وقاعد تهم في كلِّ ذلك قول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (2) . وقوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] (3) .
    وأَهل السُنَّة والجماعة: لا يُحدِّدون كيفية صفات الله- جل وعَلا- لأنه تبارك
    _________
    (1) الإلحاد: هو الميل عن الحق والانحراف عنه؛ ويدخل فيه: " التعطيل، والتحريف والتكييف، والتمثيل ". * التعطيل: عدم إِثبات الصفات، أو إِثبات بعضها ونفي الباقي. * التحريف: تغيير النص لفظا أو معنى، وصرفه عن معناه الظاهر إلى معنى لا يدل عليه اللفظ إِلا باحتمال مرجوح؛ فكل تحريف تعطيل، وليس كل تعطيل تحريفا. * التكييف: بيان الهيئة التي تكون عليها الصفات. * التمثيل: إِثبات المثل للشيء؛ مشابها له من كل الوجوه.
    (2) سورة الشورى: الآية، 11.
    (3) سورة الأعراف: الآية، 180.


    وتعالى لم يخبر عن الكيفية، ولأَنه لا أَحد أَعلم من الله سبحانه بنفسه، قال تعالى: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140] (1) . وقال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74] (2) . ولا أَحدَ أَعلم بالله بعد الله من رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي قال الله تبارك وتعالى في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] (3) .
    وأَهل السنة والجماعة: يؤمنون أَن الله- سبحانه وتعالى- هو الأَول ليس قبله شيء، والآخِرُ الذي ليس بعده شيء، والظاهرُ الذي ليس فوقه شيء، والباطنُ الذي ليس دونه شيء، كما قال سبحانه:
    {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] (4) .
    وكما أَنَّ ذاته- سبحانه وتعالى- لا تشبه الذوات، فكذلك صفاتهُ لا تشبهُ الصفات، لأنَّه سبحانه لا سميَّ له، ولا كفءَ له ولا نِدَّ له، ولا يُقاس بخلقه؛ فيثبتون لله ما أَثبته لنفسه إثباتا بلا
    _________
    (1) سورة البقرة: الآية، 140.
    (2) سورة النحل: الآية، 74.
    (3) سورة النجم: الآيتان، 3-4.
    (4) سورة الحديد: الآية، 3.


    تمثيل وتنزيها بلا تعطيل؛ فحين يثبتون لله ما أثبته لنفسه لا يمثلون، وإذا نزَهوه لا يُعَطّلون الصفات التي وصف نفسه بها (1) .
    وأَنَّه- تعالى- محيطٌ بكلِّ شيء، وخالق كل شيء، ورازق كل حي، قال الله تبارك وتعالى:
    {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] (2) . وقال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] (3) . ويؤمنون بأَن الله تعالى استوى (4) . على العرش فوق سبع سماوات، بائن من خلقه، أَحاط بكل شيء علما، كما أَخبر عن نفسه في كتابه العزيز في سبع آيات كريمات بلا تكييف (5) .
    _________
    (1) وأنَه لا يجوز أبدا أن يتخيل كيفية ذات الله أو كيفية صفاته.
    (2) سورة الملك: الآية، 14.
    (3) سورة الذاريات: الآية، 58.
    (4) والاستواء على العرش والعلو صفتان نثبتهما لله تعالى إِثباتا يليق بجلاله، وتفسير كلمة استوى عند السَلف: (استقر، علا، ارتفع، صعد) والسلف يفسرونها بهذه الكلمات لا يتجاوزونها ولا يزيدون عليها، ولم يرد في تفسير السلف تفسيرها بمعنى: (استولى، ولا ملك، ولا قهر) . * والكيف مجهول؛ لا يعلمه إلا الله * والأيمان به واجب؛ لثبوت الأدلة. * والسؤال عنه بدعة؛ لأن كيفية الاستواء لا يعلمها إِلَا الله ولأَن الصحابة أَيضا لم يسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الكيفية.
    (5) وهي على الترتيب: سورة الأعراف: الآية، 54. سورة يونس: الآية، 3. وسورة الرعد: الآية، 2. وسورة طه: الآية، 5. وسورة الفرقان: الآية، 59. وسورة السجدة: الآية، 4. وسورة الحديد: الآية، 4.


    قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] (1) ". وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4] (2) . وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ - أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16 - 17] (3) . وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] (4) . وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَلاَ تَأمنُوني وأَنا أَمينُ مَنْ في السَّماءِ؟» (5) .
    وأَهل السنة والجماعة: يؤمنون بأَن الكرسي والعرش حق. قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] (6)
    _________
    (1) سورة طه: الآية، 5. قال الإمام الحافظ إِسحاق بن راهويه- رحمه الله - عن هذه الآية: (إِجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة) رواه الإمام الذهبي في " العلو للعلي الغفار.
    (2) سورة الحديد: الآية، 4.
    (3) سورة الملك: الآيتان، 16 -17.
    (4) سورة فاطر: الآية، 10.
    (5) رواه البخاري ومسلم.
    (6) سورة البقرة: الآية، 255.



    والعرش لا يقدر قدره إِلا الله، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة وسع السموات والأَرض، والله مستغن عن العرش والكرسي، ولم يستوِ على العرش لاحتياجه إِليه؛ بل لحكمة يعلمها، وهو منزه عن أَن يحتاج إِلى العرش أَو ما دونه، فشأن الله تبارك وتعالى أَعظم من ذلك؛ بل العرش والكرسي محمولان بقدرته وسلطانه.
    وأَنَ الله تعالى خلق آدم - عليه السلام- بِيَديه، وأَن كلتا يديه يمين ويداه مبسوطتان يُنفق كيف يشاء كما وصف نفسه سبحانه، فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] (1) وقال: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] (2) .
    وأَهل السُّنَة والجماعة: يثبتون لله سمعا، وبصرا، وعلما، وقدرة، وقوة، وعزا، وكلاما، وحياة، وقدما وساقا، ويدا، ومعية. . وغيرها من صفاته - عزَّ وجل- التي وصف بها نفسه في كتابه العزيز، وعلى لسان نبيه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها؛ لأنَه تعالى لم يخبرنا عن الكيفية، قال تعالى:
    _________
    (1) سورة المائدة: الآية، 64.
    (2) سورة ص: الآية، 75.



    {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] (1) وقال: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] (2) {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (3) . {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] (4) . {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] (5) . {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] (6) . {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] (7) . {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] (8) . {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2] (9) . {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 6] (10) . وغيرها من آيات الصفات.
    _________
    (1) سورة طه: الآية، 46.
    (2) سورة التحريم: الآية، 2.
    (3) سورة النساء: الآية، 164.
    (4) سورة الرحمن: الآية، 27.
    (5) سورة المائدة: الآية، 119.
    (6) سورة المائدة: الآية، 54.
    (7) سورة الزخرف: الآية، 55.
    (8) سورة القلم: الآية، 42.
    (9) سورة آل عمران: الآية، 2.
    (10) سورة الممتحنة: الآية، 13.



    وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بأَن المؤمنين يَرَونَ ربهم في الآخرة بأَبصارهم، ويَزُورُونَه، ويُكلِّمهُم ويكلِّمونه، قال تعالى:
    {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] (1) . وسوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر لا يُضامون في رؤيته، كما قال النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنكُمْ سَتَروْنَ رَبكُم كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيلهَ البَدرِ، لا تُضامُونَ في رُؤيتِه» . . " (2) .
    وأَن الله تعالى ينزل إِلى السماء الدنيا في الثلث الأَخير من الليل نزولا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته.
    قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «يَنزلُ ربنا إِلى السَّماء الدّنيا كل لَيْلَة حِينَ يَبْقى ثُلُثُ الليلِ الآخر؛ فيقول: مَنْ يَدْعُوني فأستَجيبَ لهُ؟ مَنْ يَسأَلُني فأعطيه مَنْ يَسْتَغْفرُني فأغفرَ لهُ؟» (3) .
    ويؤمنون بأَنَّه تعالى يجيء يوم الميعاد للفصل بين العباد، مجيئا حقيقيا يليق بجلاله، قال سبحانه وتعالى:
    _________
    (1) سورة القيامة: الآيتان، 22 - 23.
    (2) متفق عليه.
    (3) متفق عليه.



    {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا - وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 21 - 22] (1) . وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210] (2) . فمنهج أَهل السنَّة والجماعة في كلِّ ذلك الإِيمان الكامل بما أَخبر به الله تعالى، وأَخبر به رسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والتسليم به؛ كما قال الإِمام الزُّهري رحمه الله تعالى: (مِنَ اللهِ الرِّسَالةُ وعلى الرسولِ البلاغُ وعلينا التَسليمُ (3) ".

    [أقوال أئمة السلف في الصفات]
    وكما قال الإمام سفيان بن عُيَيْنة رحمه الله تعالى:
    (كلُّ ما وصَفَ اللهُ تعالى به نفسهُ في القرآن فقراءته؛ تفسيرُه لا كيفَ، ولا مِثْل (4) وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
    (آمنتُ باللهِ، وبما جاءَ عن اللهِ على مرادِ اللهِ، وآمنتُ برسول الله وبما جاء عن رسولِ اللهِ على مُراد رَسُولِ الله (5)
    _________
    (1) سورة الفجر: الآيتان، 21 - 22.
    (2) سورة البقرة: الآية، 210.
    (3) أخرجه الإمام البغوي في: " شرح السنة.
    (4) رواه الإمام اللالكائي في: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) .
    (5) انظر: " لُمعة الاعتقاد الهادي إِلى سبيل الرشاد للإمام ابن قدامة المقدسي.



    وقال الوليد بن مُسلم: سأَلت الأَوزاعي، وسفيانَ بن عُيينة، ومالك بن أَنسٍ عن هذه الأَحاديث في الصِّفات والرؤية، فقالوا: (أَمِروها كما جاءتْ بلا كَيْف) (1) .
    وقال الإِمام مالك بن أنس - إِمام دار الهجرة- رحمه الله: (إِياكُم والبِدَع) قيل: وما البدع؟ قال: (أَهلُ البِدَعِ هُم الذينَ يتكلمونَ في أَسماء اللهِ وصفاتِهِ وكلامِه وعلمه وقُدرتِه، ولا يَسْكُتونَ عمَا سَكَت عَنهُ الصحابةُ والتابعونَ لهم بإِحسان) (2) .
    وسألهُ رجل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال: (الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقول، والإِيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنهُ بدعة، وما أراكَ إِلا ضالا) وأَمر به أن يُخرج من المجلس (3) .
    وقال الإمام أَبو حنيفة رحمه الله تعالى:
    (لا ينبغي لأَحد أَن ينطقَ في ذات الله بشيء؛ بل يصفهُ بما وصفَ به نفسهُ، ولا يقول فيه برأيه شيئا؛ تبارك الله تعالى رَبُّ العالمين) (4) .
    _________
    (1) أخرجه الإمام البغوي في: " شرح السنة ".
    (2) أخرجه الإمام البغوي في: " شرح السنة ".
    (3) أخرجه الإمام البغوي في: " شرح السنة ".
    (4) انظر: " شرح العقيدة الطحاوية ".



    ولما. سُئل- رحمه الله- عن صفة النزول، فقال: (ينزلُ بلا كيف) (1) وقال الحافظ الإِمام نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله: (مَنْ شبه اللهَ بخلقهِ فقد كَفَر، ومَن أنكر ما وصَفَ به نَفسَه فقد كَفر، وليس ما وصفَ به نفسَه ولا رسُولهُ تَشبيها) (2) .
    وقال بعض السلف:
    (قَدَمُ الإِسلامِ لا تَثبتُ إِلَّا على قنطرة التسليم) (3) لذا فإِنهُ من سلك مسلك السلف في الحديث عن ذات الله تعالى وصفاته؛ يكون ملتزما بمنهج القرآن في أَسماء الله وصفاته سواء كان السالك في عصر السَّلف، أَو في العصور المتأخرة.
    وكلُّ من خالف السَّلف في منهجهم؛ فلا يكون ملتزما بمنهج القرآن، وإن كان موجودا في عصر السَّلف، وبين أَظهر الصحابة والتابعين.
    _________
    (1) انظر: " شرح العقيدة الطحاوية ".
    (2) رواه الإمام الذهبي في: العلو للعلي الغفار ".
    (3) رواه الإِمام البغوي في: " شرح السنة ".



    [الركن الثاني الإِيمان بالملائكة]
    [كفر من ينكر وجود الملائكة]
    الركن الثاني
    الإِيمان بالملائكة الإِيمان بالملائكة: هو الإِيمان بوجودهم إيمانا جازما لا يتطرَّق إِليه شك، ولا ريب، قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]
    فمن ينكر وجود الملائكة؛ فقد كَفَر، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]
    فأَهل السُنّة والجماعة: يؤمنون بهم إِجمالا، وأَمَّا تفصيلا فما صح به الدليل، ومَن سمّاه الله ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- منهم كجبريل الموكل بالوحي، وميكائيل الموكل بالمطر، وإسرافيل الموكل



    بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكل بقبض الأَرواح، ومالك خازن النَّار، ورضوان خازن الجنة، وملكي القبر منكر ونكير.
    وأَهل السنة والجماعة: يؤمنون بوجودهم، وأَنَّهم عباد مخلوقون، خلقهم الله من نور، وهم ذوات محسوسة، وليسوا أُمورا معنوية، ولا قوى خفية، وهم خلق من خلق الله، يسكنون السَّماء.
    والملائكة خِلْقتهم عظيمة، منهم مَن له جناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، ومنهم له أَربعة، ومنهم مَن لهُ أَكثر من ذلك، وثبت أَن جبريل- عليه السَّلام- له ستمائة جناح.
    وهم جند من جنود الله، قادرون على التمثلِ بأَمثال الأَشياء، والتشكُل بأَشكال جسمانية؛ حسبما تقتضيها الحالات التي يأذن بها الله- سبحانه وتعالى- وهم مقربون من الله ومكرَّمون، لا يوصفون بالذكورة والأنوثة، ولا يتناكحون، ولا يتناسلون.
    والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، وإنَّما طعامهم التسبيح والتهليل ولا يملون، ولا يفترون، ولا يتعبون، ويتصفون بالحسن، والجمال، والحياء، والنظام.
    والملائكة يختلفون عن البشر؛ بأَنَّهم جُبلُوا على الطاعة وعدم العصيان، خلقهم الله لعبادتّه وتنفيذ أَوامره، قال تعالى عنهم:



    {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ - يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 26 - 28] والملائكة يسبحون الله ليلا ونهارا، ويطوفون بالبيت المعمور في السماء، وهم يخشون الله تعالى ويخافونه.

    [أصناف الملائكة]
    والملائكة أَصناف كثيرة: منهم الموكَلُونَ بحمل العرش، ومنهم الموكلُونَ بالوحي، ومنهم الموكَلُ بالجبال، ومنهم خَزَنَةُ الجنةِ وخزنةُ النَار.
    ومنهم الموكَّلُونَ بحفظ أَعمال العباد، ومنهم الموكَّلُونَ بقبض أَرواح المؤمنين، ومنهم الموكَلُونَ بقبض أَرواح الكافرين، ومنهم الموكَلُونَ بسؤال العبد في القبر.
    ومنهم مَن يستغفر للمؤمنين ويصلُون عليهم ويحبونهم، ومنهم مَن يشهد مجالس العلم وحلقات الذكر، فيحفونهم بأجنحتهم، ومنهم مَن هو قرينٌ للإِنسان لا يفارقه، ومنهم مَن يدعو العباد إِلى فعل الخير، ومنهم مَن يشهد جنائز الصالحين، ويقاتلون مع المؤمنين ويُثبِّتونهُم في جهادهم مع أَعداء الله.



    ومنهم الموكَّلُونَ بحماية الصالحين، وتفريج كربهم، ومنهم الموكَلُونَ بالعذاب.
    والملائكة لا يدخلون بيتا فيه تمثالٌ، ولا صورةٌ، ولا كلبٌ، ولا جرسٌ، وَيَتأذَّوْنَ ممّا يتأذى منه بنو آدم، قال النبِيَ- صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ البيت الذي فيه الصور؛ لا تدخله الملائكة» (1) وقال- صلى الله عليه وسلم -: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير» (2) .
    والملائكة كثيرون لا يعلم عددهم إِلَّا الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى:
    {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31] (3) وقد حجبهم الله تعالى عنّا؛ فلا نراهم في صورهم التي خُلِقوا عليها، ولكن كشفهم لبعض عباده، كما رأى النبي- صلى الله عليه وسلم - جبريل على صورته التي خلقه الله عليها مرتين، قال الله تبارك وتعالى:
    {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى - عِنْدَ سِدْرَةِ} [النجم: 13 - 14] (4) وقال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ - وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 22 - 23] (5) .
    _________
    (1) متفق عليه.
    (2) رواه البخاري.
    (3) سورة المدثر: الآية، 31.
    (4) سورة النجم: الآيتان، 13-14.
    (5) سورة التكوير: الآيتان، 22 - 23.



    [الركن الثالث الإيمان بالكتب]
    [الله أنزل الكتب لهداية البشرية]
    الركن الثالث
    الإيمان بالكتب أهل السنة والجماعة: يؤمنون بالله ويعتقدون اعتقادا جازما أن الله- عزَّ وجلَّ- أَنزل على رُسُلِهِ كُتُبا فيها: أَمره، ونهيه، ووعده ووعيده، وما أَراده الله من خلقه، وفيها هدى ونور، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285] (1) .
    وأَن الله أَنزل كتبه على رسله لهداية البشرية، قال تعالى:
    {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] (2) .
    وهذه الكتب هي: القرآن، والتوراة، والإِنجيل، والزبور،
    _________
    (1) سورة البقرة: الآية، 285.
    (2) سورة إبراهيم: الآية، 1.



    وصحف إِبراهيم وموسى، وأَعظمها التوراة والإِنجيل والقرآن، وأعظم الثلاثة وناسخها وأفضلها هو القرآن. وعندما أَنزلَ الله الكُتُبَ- عدا القرآن- لم يتكفَّل بحفظها؛ بل استُحْفظَ عليها الأَحبار والربانيون، لكنَّهم لم يحافظوا عليها، وما رعَوها حقَ رعايتها، فحصل فيها تغيير وتبديل.

    [القرآن الكريم]
    والقرآن الكريم: هو كلامُ رَبَ العالمين، وكتابهُ المبين، وحبلُهُ المتين، أَنزلَهُ الله على رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم- ليكون دستورا للأمة، وَمُخْرِجا للنَّاس من الظلمات إِلى النور، وهاديا لهم إِلى الرشاد وإلى الصراط المستقيم.
    وقد بَينَ الله فيه أَخبارَ الأَولين والآخرين، وَخَلْقَ السماوات والأَرضين، وَفصلَ فيه الحلالَ والحرام، وأُصولَ الآدابِ والأَخلاقِ وأَحكامَ العباداتِ والمعاملات، وسيرةَ الأَنبياءِ والصالحين، وجزاءَ المؤمنين والكافرين، ووصفَ الجنٌة دارَ المؤمنين، وَوَصفَ النَّار دارَ الكافرين، وجعله شفاء لما في الصدور، وتبيانا لكلِّ شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين، قال الله تعالى:
    {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] (1)
    _________
    (1) سورة النحل: الآية، 89.



    ويجب على جميع الأمَة اتَباعهُ وتحكيمُه مع ما صَح من السنَّة عن النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأَنَّ الله بَعَث رسوله إِلى جميع الثقلين؛ ليبين لهم ما أَنزله إِليهم، قال تعالى:
    {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] (1) .
    وأَهل السنة والجماعة: يؤمنون بأَنَّ القرآن كلام الله- حروفه ومعانيه- منه بدأَ وإليه يعود، مُنَزلٌ غير مخلوق، تَكَلَم الله به حقا، وأَوحاه إِلى جبريل؛ فنزل به جبريل- عليه السلام- على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    أَنزله الحكيم الخبير بلسان عربي مبين، ونُقل إِلينا بالتواتر الذي لا يرقى إِليه شك، ولا ريب، قال الله تعالى:
    {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195] (2) .
    والقرآن الكريم: مكتوب في اللوح المحفوظ، وتحفظه الصدور، وتتلوه الأَلسن، ومكتوب في الصحف، قال الله تعالى:
    _________
    (1) سورة النحل: الآية، 44.
    (2) سورة الشعراء: الآيات، 192 - 195.



    {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] (1) وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ - لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ - تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 77 - 80] (2) .
    والقرآن الكريم: المعجزة الكبرى الخالدة لنبيِّ الإِسلام محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -وهو آخر الكتب السماوية، لا يُنسخُ ولا يُبدل، وقد تَكَفلَ الله بحفظهِ من أَي تحريف، أَو تبديلٍ، أَو زيادة، أَو نقصٍ إِلى يوم يرفعه الله تعالى، وذلك قبل يوم القيامة.
    قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] (3) .
    وأَهل السُّنَة والجماعة: يُكفِّرون من أَنكر حرفا منه أَو زاد أَو نقص، وعلى هذا فنحن نؤمن إيمانا جازما بأَنَّ كلَّ آية من آياتِ القرآن مُنزلةٌ من عِنْدِ اللهِ، وقد نُقِلَتْ إِلينا بطريق التواتر القطعي.
    والقرآن الكريم: لم ينزلْ جملة واحدة على رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بل نزل منجما، أي مُفَرقا حسب الوقائع، أَو جوابا عن أَسئلة أَو حسب مقتضيات الأَحوال في ثلاثٍ وعشرينَ سنة.
    _________
    (1) سورة العنكبوت: الآية، 49.
    (2) سورة الواقعة: الآيات، 77 - 80.
    (3) سورة الحجر: الآية، 9.



    والقرآن الكريم: يحتوي على " 114 " سورة " 86 " منها نزلت في مكة، و " 28 " منها نزلت في المدينة، وتسمى السور التيِ نزلت في مكة بالسور المكية، والسور التي نزلت في المدينة بالسور المدنية، وفيه تسع وعشرون سورة افتتحت بالحروف المقطعة.
    وقد كُتِبَ القرآن فيِ عهد النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وبمرأى منه؛ حيث كان للوحي كَتَبَة من خيرة الصحابة- رضي الله عنهم- يكتبون كل ما نَزَلَ من القرآن وبأَمر من النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم جُمِعَ في عهد أَبي بكر بين دفتي المصحف، وفي عهد عثمان على حرف واحد؛ رضي الله تعالى عنهم أَجمعين.
    وأَهل السُّنَة والجماعة: يهتمون بتعليم القرآن، وحفظه، وتلاوته وتفسيره، والعمل به. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] (1) .
    ويَتَعبَّدُونَ الله تعالى بقراءته؛ لأَنَّ في قراءة كل حرف منه حسنة
    _________
    (1) سورة ص: الآية، 29.



    كما أَخبر النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث قال: «مَنْ قَرأَ حَرفا مِن كتابِ اللهِ؛ فَلهُ به حَسنة، والحسنةُ بعَشْرِ أَمثالِها، ولا أَقولُ المَ حَرْف؛ ولكِنْ أَلفٌ حَرْفٌ، ولامٌ حَرْف، وميمٌ حَرْف» (1) .
    وأَهل السُّنَة والجماعة: لا يجوِّزونَ تفسير القرآن بالرأي المجرَّد فإِنَه من القول على الله بغير علم ومن عمل الشيطان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168 - 169] (2) .
    بل يفسر القرآن بالقرآن، ثمَّ بالسنَة، ثمَ بأَقوال الصَّحابة، ثمَ بأَقوال التابعين، ثمَ باللغة العربية التي نزل بها القرآن.
    _________
    (1) صحيح سنن الترمذي: للألباني.
    (2) سورة البقرة: الآيتان، 168 -169.



    [الركن الرابع الإيمان بالرسل]
    الركن الرابع
    الإيمان بالرسل أَهل السُّنّة والجماعة: يؤمنون ويعتقدون اعتقادا جازما أَن الله - سبحانه- أَرسل إلى عباده رُسُلا مبشرين ومنذرين، ودعاة إِلى دين الحق، لهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إِلى النور.
    فكانت دعوتهم إِنقاذا للاُم من الشرك والوثنية، وتطهيرا للمجتمعات من التحلل والفساد، وأَنَّهم بلَغوا الرسالة، وأَدوا الأَمانة، ونصحوا الأُمَّة، وجاهدوا في الله حق جهاده، وقد جاؤوا بمعجزات باهرات (1) تدل على صدقهم، ومن كفر بواحد منهم؛ فقد كفر بالله تعالى وبجميع الرسل عليهم السلام، قال تعالى:
    _________
    (1) المعجزة: هي أَمر خارق للعادة لا يقدر عليه البشر، يظهره الله على يد النبي وفق دعواه تصديقا له، وإن وقوع المعجزة أمر ممكن؛ ذلك أن الله الذي خلق الأسباب والمسببات قادر على أن يغير نظامها، فلا تخضع لما كانت له من قبل! ولا عجب في ذلك ولا غرابة بالنسبة لقدرة الله التي لا تُحَد بحدود فهو يفعل ما يريد بأسرع من لمح البصر، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] .



    {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا - وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 150 - 152] (1) .
    وقد بين الله الحكمة من بعثة الرسل الكرام، فقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165] (2) .
    ولقد أَرسل الله رُسلا وأَنبياء كثيرين منهم من ذكره لنا في كتابه أَو على لسان نبيِّه- صلى الله عليه وسلم -ومنهم مَنْ لمْ يخبرنا عنهم، قال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] (3) .
    وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] (4) .
    _________
    (1) سورة النساء: الآيات، 150 - 152.
    (2) سورة النساء: الآية، 165.
    (3) سورة غافر: الآية، 78.
    (4) سورة النحل: الآية، 36.



    والمذكور من أَسمائهم في القرآن الكريم خمسةٌ وعشرون رَسولا ونَبيا، وهم: أَبو البشر آدم، إِدريس، نوح، هود، صالح، إِبراهيم، لوط، إِسماعيل، إِسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، أَيوب، ذو الكفل، موسى، هارون، داود، سليمان، إِلياس، اليسع، يونس، زكريا، يحيى، عيسى، ومحمد خاتم الأَنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أَجمعين.
    وقد فَضَّلَ الله تعالى بعض الأَنبياء والرسل على بعض، وقد أَجمعت الأمَّةُ على أَن الرسلَ أَفضل من الأَنبياءِ، والرسُل بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم، وأَفضل الرُسُل والأَنبياء أُولو العزم، وهم خمسة: محمد، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    وأَفضل أُولي العزم نبي الإِسلام، وخاتم الأَنبياء والمرسلين ورسول رَبِّ العالمين؛ محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال الله تبارك وتعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] (1) .
    _________
    (1) سورة الأحزاب: الآية، 40.



    [الإِيمان بالرسل مُجْمَلٌ والإِيمان بنبينا مُفَصل]
    وأَهل السُّنَة والجماعة: يؤمنون بهم جميعا مَن سمى الله منهم ومَن لم يُسَم، من أَولهم آدم عليه السلام. . . إِلى آخرهم وخاتمهم وأَفضلهم نبينا محمد بن عبد الله، صلى الله عليهم أَجمعين.
    والإِيمان بالرسل إِيمان مُجْمَلٌ، والإِيمان بنبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله ومسلَم- إِيمان مُفَصل يقتضي ذلك منهم اتباعه فيما جاء به على وجه التفصيل.
    (مُّحَمَّدٌ رسُول اللهِ)
    " صلى الله عليه وعلى آله وسلم "
    هو: أَبو القاسم محمدُ بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرَّة بن كَعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمة بن مدْركة بن إِلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عَدْنان، وعَدْنان من ولد نبي الله إِسماعيل بن إِبراهيم الخليل على نبيِّنا وعليهما السلام.
    وهو خاتم الأَنبياء والمرسلين، ورسول الله إِلى النَّاس أَجمعينْ، هو عبدٌ لا يعبد، ورسول لا يُكَذَّب، وهو خير الخلائق، وأَفضلهم وأَكرمهم على الله تعالى، وأَعلاهم درجة، وأَقربهم إِلى الله وسيلة.



    وهو المبعوث إِلى الثقلين، بالحق والهدى، بعثه الله رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] (1) .
    أَنزل عليه كتابه وائتمنه على دينه، وكلَفه بتبليغ رسالته، وقد عصمه من الزلل في تبليغه لهذه الرسالة، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] (2) .
    ولا يصح إِيمانُ عبدٍ حتى يؤمن برسالته، ويِشهد بنبوته، ومن أَطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] (3) .
    فقد كان كل نبي يبعث إِلى قومه خاصة، ومحمَّد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعث إِلى النَّاس كافَّة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] (4) .

    [معجزات الرسول]
    وأَهل السُنَّة والجماعة: يؤمنون بأنَّ الله تعالى أَيدَ نبيَّهُ- صلى الله عليه وعلى آله وسالَم- بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة: * ومن تِلكَ المعجزات وأَعظمها القرآن الذي تحدى الله به أَفصح الأُم وَأَبْلَغَهَا وأَقْدَرَها على المنْطِقِ.
    _________
    (1) سورة الأنبياء: الآية، 107.
    (2) سورة النجم: الآيتان، 3-4.
    (3) سورة النساء: الآية، 65.
    (4) سورة سبأ: الآية، 28.



    * ومن أكبر المعجزات- بعد القرآن- التي أَيَّدَ الله نبيَّه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بها؛ معجزة الإِسراءِ والمعراج. فأَهل السُنة: يؤمنون أَن النبي- صلى الله عليه وسلم -عُرِجَ به في اليقظة بروحه وجسده إِلى السماء، وذلك في ليلة الإِسراء، وقد أُسري به ليلا من المسجد الحرام إِلى المسجد الأَقصى بنص القرآن.
    قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] (1) .
    ثم عُرج به- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى السماء، حيث صعد حتى السماء السابعة، ثم فوق ذلك حيث شاء الله من العُلا، وكان ذلك عند سدرة المنتهى عندها جنَة المأوى.
    وأكرمه الله بما شاء وأَوحى إِليه وكلَمه، وشرع له خمس صلوات في اليوم والليلة، ودخل الجنة فاطلع عليها، واطلع على النَّار، ورأَى الملائكة، ورأَى جبريل على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وما كذب فؤاد النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما رأَى، بل كان كلُّ ما رآه بعينَيْ رأسه حقا، تعظيما له وتشريفا على سائر الأَنبياء وإظهارا لعلو مقامه- صلى الله عليه وعلى آله
    _________
    (1) سورة الإسراء: الآية، 1.



    وسلم- فوق الجميع، ثم نزل بيت المقدس وصلى إماما بالأَنبياء- عليهم الصلاة والسلام- ثم عاد إِلى مكة قبل الفجر (1) .
    قال تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى - وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى - عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى - عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى - إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى - مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى - لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 12 - 18] (2) .
    ومن معجزاته أَيضا؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
    * انشقاق القمر: آية عظيمة أَعطاها الله لنبيِّه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دليلا على نبرته، وكان ذلك في مكة حينما طلب المشركون منه آية.
    * تكثير الطعام له، وقد وقع هذا منه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكثر من مرة.
    * تكثير الماء ونبعه من بين أَصابعه الشريفة، وتسبيح الطعام له وهو يُؤكل، وقد وقع هذا الشيء كثيرا من الرسول- صلى الله عليه وسلم -.
    * إِبراء المرضى، وشفاء بعض أَصحابه على يديه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بدون دواء حسي.
    * أَدب الحيوان معه، وإذعان الأَشجار إِليه، وتسليم الأَحجار عليه؛ صلوات الله وسلامه عليه.
    _________
    (1) وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنن والمسانيد تفاصيل ما كان في تلك الليلة المباركة.
    (2) سورة النجم: الآيات، 12 - 18.



    * الانتقام العاجل من بعض مَن خانه وعانده- صلى الله عليه وسلم -.
    * إِخباره ببعض الأُمور الغيبية، وإخباره عن الأُمور التي وقعت بعيدا عنه فور وقوعها، وإخباره عن أُمورٍ غيبية لم تكن حدثت، فحدثت بعد ذلك كما أَخبر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    * إِجابة دعائه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عامة.
    * وحِفْظُ الله له- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكف الأَعداء عنه، عن أَبي هريرة - رضي الله عنه- قال: «قال أَبو جهل: هل يُعَفِّرُ محمد وجهه بين أَظهركم؟ قال: فقيل: نعم‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! قال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأَطَأَنٌ على رقبته أو لأُعَفِّرَنَّ وجهه في التراب. قال: فَأَتَى رسولَ الله- صلَّى الله عليه وآله وسلم- وهو يصلي زعم لَيَطأُ على رقبته، قال: فما فجأهم منه؛ إِلِّا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إِنَّ بيني وبينه لخندقا من نارٍ وهَوْلا وأجنحة.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لَوْ دَنا، لاَخْتَطَفتهُ الملائِكَةُ؛ عُضْوا عُضْوا» (1)
    _________
    (1) رواه مسلم.



    [الركن الخامس الإيمان باليوم الآخر]
    [الاعتقاد الجازم والتصديق الكامل بيوم القيامة]
    الركن الخامس
    الإيمان باليوم الآخر أَهل السُّنَّة والجماعة: يعتقدون ويؤمنون باليوم الآخر، ومعناه الاعتقاد الجازم والتصديق الكامل؛ بيوم القيامة، والإيمان بكلِّ ما أَخبر به الله- عزَّ وجل- في كتابه الكريم، وأَخبر به رسوله الأَمين - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مما يكون بعد الموت، وحتى يدخل أَهل الجنَّة الجنة، وأَهل النار النَّار.
    لقد أكَد الله- سبحانه وتعالى- ذكر اليوم الآخر في كتابه العزيز في مواضعَ كثيرة وربط الإِيمان باليوم الآخر بالإِيمان بالله.
    قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4] (1) .
    _________
    (1) سورة البقرة: الآية، 4.



    وأَهل السُنة والجماعة: يؤمنون بأَن وقت قيام الساعة علمه عند الله تعالى، لا يعلمه أَحد إِلّا الله، قال تعالى:
    {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] (1) .
    وإذا كان الله قد أَخفى وقت وقوع الساعة عن عباده، فإِنه قد جعل لها أَمارات وعلامات وأَشراطا تدلُّ على قرب وقوعها.
    ويؤمنون بكل ما يقع من أَشراط الساعة الصُغرى والكُبرى التي هي أَمارات على قيام الساعة لأنَّها تدخل في الإِيمان باليوم الآخر.

    [علاماتُ الساعة الصغرى]
    علاماتُ الساعة الصغرى: وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من النوع المعتاد وقد يظهر بعضها مصاحبا للأشراط الكبرى، وعلامات أَشراط الساعة الصغرى كثيرة جدا ونذكر الآن شيئا مما صح منها: فمن ذلك بعثةُ النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وختمُ النبوة والرسالة به، وموته- صلى الله عليه وسلم -، وفتح بيت المقدس، وظهور الفتن، واتباع سَنَن الأم الماضية من اليهود والنصارى، وخروج الدجالين، وأَدعياء النبوة.
    ووضع الأَحاديث المكذوبة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ورفض سُنته، وكثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأَخبار، ورفع العلم والتماس العلم عند الأَصاغر، وظهور الجهل والفساد، وذهاب
    _________
    (1) سورة لقمان: الآية، 34.



    الصالحين، ونقض عُرى الإِسلام عُروة عُروة، وتداعي الأُم على أُمة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم غُربةُ الإِسلامِ وأَهله.
    وكَثرة القَتْل، وتمنِّي الموتِ من شدة البلاء، وغبطة أَهل القبور وتمني الرجل أَن يكون مكان الميت من شدة البلاء، وكثرة موت الفَجْأة والموت في الزلازل والأَمراض، وقلة عدد الرجال، وكثرة النساء، وظُهورهن كاسيات عاريات، وتفشي الزنا في الطرقات، وظهور أَعوان الظلمة من الشرطة الذين يجلدون النَّاس.
    وظُهور المعازف، والخمر، والزِّنا، والربا، والحرير، واستحلالها، وظهور الخسف والمسخ والقذف.
    وتضييع الأَمانة، وإسناد الأَمر إلى غير أَهله، وزعامةُ الأَراذل من الناس، وارتفاع أَسافلهم على خيارهم، وولادَة الأَمَةِ ربتها، والتطاول في البنيان، وتباهي الناس في زخرفة المساجد، وتغير الزمان؛ حتى تُعْبَد الأَوثان، ويظهر الشرك في الأُمة.
    والسلام على المعارف فقط، وكثرة التجارة، وتقارب الأَسواق ووجودُ المال الكثير في أَيدي النَّاس مع عدم الشكر، وكثرة الشُّح، وكثرة شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور الفحش، والتخاصم والتباغض والتشاحن، وقطيعة الرحم، وسوء الجوار.
    وتقارب الزمان وقلةُ البركة في الأَوقات، وانتفاخُ الأَهلَة،



    وحدوث الفتن كقطع الليل المظلم، ووقوع التناكر بين الناس، والتهاون بالسنن التي رَغَّبَ فيها الإسلام، وتشبه الشيوخ بالشباب. وكلام السباع والجمادات للإِنس، وحسر ماء الفرات عن جبلٍ من ذهب، وصدق رؤيا المؤمن.
    وما يقع من مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حيث تنفي الخبثَ، فلا يبقى فيها إِلَّا الأَتقياء الصَّالحون، وعودة جزيرة العرب مروجا وأَنهارا، وخروج رجل من قحطان يدين له الناس.
    وكثرة الروم وقتالهم للمسلمين، وقتال المسلمين لليهود حتى يقول الحجر والشجر: «يا مُسْلِمُ هَذا يَهُودِيّ؛ فَتَعالَ فَاقتُلهُ» (1) . وفتح روما كما فتحت القسطنطينية. . إِلى غير ذلك من علامات الساعة الصغرى الثابتة في الأَحاديث الصحيحة.

    [علاماتُ الساعة الكبرى]
    علاماتُ الساعة الكبرى: وهذه هي التي تدلُ على قرب قيام الساعة، فإِذا ظهرت كانت الساعة على إِثرها، وأَهل السّنة يؤمنون بها كما جاءت عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومنها:
    ظهور المهدي: وهو محمَد بن عبد الله؛ من أَهل بيت النَّبِيّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويخرج من قِبَل المشرق يملك
    _________
    (1) رواه البخاري.



    سبع سنين، يملأ الأَرض قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا، تنعم الأُمة في عهده نعمة لم تَنْعَمْها قط، تُخرِج الأَرض نباتها، وتُمطِر السماء قطرها، ويُعطي المال بغير عدد.
    وخروج المسيح الدجال (1) ونزول المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام- عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام، وينزل حاكما بشريعة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم- عاملا بها، وأَنَّه يقتل الدجال، ويحكم في الأَرض بالإِسلام، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تُقاتل على الحق، وتكون مُجتمعة لقتال الدَّجَّال، فينزل وقت إِمامة الصلاة يصلي خلف أَمير تلك الطائفة.
    وخروج يأجوج ومأجوج، والخُسوفات الثلاثة: خَسْفٌ بالمشرق، وخَسْف بالمغرب، وخَسْف بجزيرة العرب، وخروج الدخان، وطُلوعُ الشمس من مغرِبها، وخروج دابَّة الأَرض وتكليمها للناس، والنار التي تحشر الناس.
    وأَهل السُنة والجماعة: يؤمنون بكل ما يكون من أُمور الغيب بعد الموت، مما أَخبر به الله ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من سكرات
    _________
    (1) وفتنة ظهور المسيح الدجال من أَعظم الفتن؛ لأن الدجال هو منبع الكفر والضلال والفتن، ومن أجل ذلك فقد حذر منه الأنبياء أقوامهم، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم -يستعيذ من فتنة الدجال دبر كل صلاة، وحذر منه أمته.



    الموت، وحضور ملائكة الموت، وفرح المؤمن بلقاء رَبِّه، وحضور الشيطان عند الموت، وعدم قبول إيمان الكافر عند الموت، وعالَم البَرْزَخ، ونعيم القبر وعذابِه وفتنتِه، وسؤال الملكين وأَن الشهداءَ أحياء عند ربهم يُرزقون، وأَنَ أَرواح أَهل السعادة مُنَعَّمَةٌ، وأَرواح أهل الشقاوة مُعَذبة.
    ويؤمنون بيوم القيامة الكبرى الذي يحيي الله فيه الموتى، ببعث العباد من قبورهم، ثمَ يحاسبهم.
    ويؤمنون بالنفخ في الصور، وهي ثلاث نفخات:
    الأولى: نفخة الفزع.
    الثانية: نفخة الصعق؛ التي يتغير بها العالم المشاهد، ويختلف نظامه، وفيها الفناء والصعق، وفيها هلاك من قضى الله إِهلاكه.
    الثالثة: نفخة البعث والنشور والقيام لِرَبِّ العالمين.
    ويؤمنون بالبَعْثِ والنُّشُور، وأَنَّ الله يَبْعثُ مَن في القبور؛ فيقوم الناس لرَبِّ العالمين حفاة عراة غُرْلا، تدنو منهم الشمس، ومنهم مَن يلجمه العرق، وأَول مَن يُبْعَث وتنشق عنه الأَرض هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -وعلى آله وسلم.
    وفي ذلك اليوم العظيم يخرج النَاس من الأَجداث كأَنَهم جراد نشر، مسرعين مهطعين إِلى الداعي، وقد خفتت كلُّ حركة، وخيم الصمت الرهيب، حيث تنشر صحف الأَعمال؛ فيكشف



    المخبوء، ويظهر المستور، ويفتضح المكنون في الصدور، ويكلم الله عباده يوم القيامة ليس بينه وبينهم ترجمان، ويدعى النَّاس بأسمائهم وأسماء آبائهم.
    ويؤمنون بالميزان الذي له كفتان تُوزن به أَعمال العباد.
    ويؤمنون بما يكون من نشر الدواوين، وهي صحائف الأَعمال، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله، أَو من وراء ظهره.
    والصراط منصوب على متن جهنم، يتجاوزه الأَبرار، ويزل عنه الفجَّار (1) .
    والجنة والنار مخلوقتان، وموجودتان الآن، لا تَفْنَيان أَبدا، وقد خلقهما الله تعالى قبل الخلق، والجنة دار المؤمنين الموحِّدين والمتقين، والنَّار دار الكافرين؛ من المشركين، واليهود، والنصارى، والمنافقين، والملحدين، والوثنيين؛ ودار المذنبين.
    _________
    (1) وهو الجسر الذي يمرون عليه إِلى الجنة، ويمر الناس على الصراط بقدر أعمالهم فمنهم مَن يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح المرسلة ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم؛ كل بحسب عمله، حتى يَطهر من ذنوبه وآثامه ومن اجتاز الصراط تهيأ لدخول الجنة؛ فإِذا عبروا الصراط وقفرا على قنطرة بين الجنة والنار؛ فيقتص لبعضهم من بعض فإِذا هذبوا ونُقوا أُذن لهم في دخول الجنة.



    ويؤمنون بأن أمة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أُولى الأمم محاسبة يوم القيامة، وأُولى الأُم في دخول الجنة، وهم نصف أَهل الجنة، ويدخلُ الجنَّة منهم سبعون أَلفا بغير حساب.
    ويؤمنون بعدم خلود الموحدين في النار، وهم الذين دخلوا النَّار بمعاص ارتكبوها غير الإِشراك بالله تعالى، لأنَ المشركين خالدون في النَار لا يخرجون منها أَبدا، والعيِاذ بالله.
    ويؤمنون بأَن حوض نبيِّنا- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في عرصات القيامة ماؤه أَشَدُّ بياضا من اللبن، وأَحلى من العسل، وريحهُ أَطيبُ من المسك، وآنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، مَن شرب منه لا يظمأ أَبدا، ويَحرم ذلك على من ابتدع في الدِّين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
    «حَوضي مَسيرةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَريحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المسكِ، وكيزانُهُ كنُجوم السَّماء، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظمأ أَبدا» (1) وقال: «إِنِّي فَرَطُكُم عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مرّ عَلي شَرِبَ وَمَنَ شَربَ لَمْ يَظمأ أَبدا. لَيَردَنَّ عَليَّ أَقْوَامٌ أَعرِفُهُم وَيَعرفونَني، ثم يُحَالُ بَيني وَبْينهُم» . وفي رواية: «فَأَقولُ: إِنَهُمْ منِّي؛ فيقالُ: إنكَ لاَ تَدري مَا أَحْدَثُوا بَعدَكَ، فَأَقولُ: سُحْقَاَ سحْقا لِمَنْ غيَّرَ بَعْدِي» (2) .
    _________
    (1) رواه البخاري.
    (2) رواه البخاري.



    والشفاعة والمقام المحمود لنبيِّنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم القيامة، وشفاعته لأَهل الموقف لفصل القضاء بينهم هي المقام المحمود، وشفاعته لأَهل الجنة أَن يدخلوا الجنَّة، ويكون الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَول داخل فيها، وشفاعته لعمه أَبي طالب أَن يُخفَّف عنه من العذاب.
    وهذه الشفاعات الثلاث خاصة بالنَبِيِّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وليست لأَحد غيره.
    وشفاعته- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لرفع درجات بعض أُمَّته ممن يدخلون الجنة إِلى درجات عليا، وشفاعته- صلى الله عليه وآله وسلم- لطائفة من أُمَّته يدخلون الجنة بغير حساب.
    وشفاعته- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أَقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أَقوام آخرين قد أُمِرَ بهم إِلى النَّار أَن لا يدخلوها.
    والشفاعة في إِخراج عصاة الموحِّدين من النَار، فيشفع لهم فيدخلون الجنَّة.
    وهذه الشفاعة تُشاركه فيها الملائكة، والنبيُّون، والشهداء، والصدِّيقون، والصالحون، والمؤمنون، ثم يُخرِجُ الله- تبارك



    وتعالى- من النَار أَقواما بغير شفاعة؛ بل بفضله ورحمته (1) فأَما الكفار فلا شفاعة لهم، لقوله تعالى:
    {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] (2) .
    وعمل المؤمن يوم القيامة يشفع له أَيضا، كما أَخبر بذلك النبِي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال:
    «الصَيامُ وَالقرآن يَشْفَعانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيامَةِ» (3) والموت يؤتى به يوم القيامة؛ فيُذبَحُ كما أَخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
    «إِذَا صَارَ أَهلُ الجنةِ إِلَى الجنَّةِ، وَصَارَ أَهلُ النارِ إِلَى النار، أتيَ بالموْتِ حَتَى يُجْعَلَ بَيْنَ الجنةِ والنارِ؛ ثُمَ يُذْبَحُ، ثم يُنادِي مُناد: يَا أَهْلَ الجنة! لا مَوْتَ. وَيَا أَهْلَ النارِ! لا مَوْتَ؛ فَيَزْدَادُ أَهْلُ الجَنّة فَرَحا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيْزدَادُ أَهْل النارِ حُزْنا إِلَى حُزْنِهِم» (4)
    _________
    (1) ويشترط لهذه الشفاعة شرطان: الأول: إِذن الله تعالى في الشفاعة، لقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ سورة البقرة: الآية، 255. الثاني: رضا الله تعالى عن الشافع والمشفوع له، لقوله: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى. سورة الأنبياء: الآية، 28.
    (2) سورة المدثر: الآية، 48.
    (3) انظر: (صحيح الجامع الصغير) للألباني، برقم: (3882) .
    (4) رواه مسلم.



    [الركن السادس الإيمان بالقدر]
    الركن السادس
    الإيمان بالقدر أَهل السُنة والجماعة: يعتقدون اعتقادا جازما أَن كل خيرٍ وشرٍ يكون بقضاء الله وقدره، وأَن الله فعالٌ لما يريد فكل شيء بإِرادته ولا يخرج عن مشيئته وتدبيره، وعَلِمَ كل ما كان وما يكون من الأَشياء قبل أَن تكون في الأَزل، وقَدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته، وعَلِمَ أَحوال عباده، وعَلِمَ أَرزاقهم وآجالهم وأَعمالهم، وغير ذلك من شؤونهم؛ فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإِرادته. وملخصه: هو ما سبق به العلم وجرى به القلم، مما هو كائن إِلى الأَبد، قال تعالى:
    {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] (1) وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] (2) .
    _________
    (1) سورة الأحزاب: الآية، 38.
    (2) سورة القمر: الآية، 49.



    وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتَى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرهِ وَشرِّهِ مِنَ اللهِ، وَحَتَى يَعْلَمَ أَن مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ ليُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه» (1) .
    وأَهل السنَّة يقولون: الإِيمان بالقدر لا يتم إِلا بأَربعة أُمور، وتُسمى: مراتب القدر، أَو أَركانه، وهذه الأمور هي المدخل لفهم مسألة القدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إِلا بتحقيق جميع أَركانه؛ لأَنَ بعضها مُرتَبِط مع بعض فمن أَقر بها جميعا اكتمل إيمانه بالقدر، ومن انتقص واحدا منها، أَو أكثر فقد اختلٌ إيمانه بالقدر.
    المرتبة الأولى: العلم: الإيمان بأَن الله تعالى عالم بكلِّ ما كانَ، وما يكونُ، وما لم يكنْ، لو كانَ كيف يكون؛ جملة وتفصيلا، وأَنَه عَلِمَ ما الخلق عاملون قبل خلقهم، وعَلِمَ أَرزاقهم وآجالهم وأَعمالهم وحركاتهم وسكناتهم، وعلم منهم الشقي والسعيد، وذلك بعلمه القديم الذي هو موصوف به أَزلا، قال الله تعالى:
    {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115] (2) .
    _________
    (1) صحيح سنن الترمذي: للألباني.
    (2) سورة التوبة: الآية، 115.



    المرتبة الثانية: الكتابة: وهي الإِيمان بأَنَ الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يُفرّط فيه من شيء؛ فكلّ ما جرى وما يجري وكلَ كائن إِلى يوم القيامة؛ فهو مكتوب عند الله تعالى في أُم الكتاب، ويسمى: الذكر، والإِمام، والكتاب المبين، قال تعالى:
    {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] (1)
    وقال النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ أَوَلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلمَ فقال: اكتبْ، قَالَ: ماَ أَكْتُب؟ قال: اكتب القَدَر، مَا كَانَ، وَمَا هُوَ كاَئِن إِلى الأَبَد» (2) .
    المرتبة الثالثة: الإِرادة والمشيئة: أَي: أَن كل ما يجري في هذا الكون فهو بإِرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويُضل مَن يشاء بحكمته، لا يُسأل عمَّا يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم يُسألون، وما وقع من ذلك، فإِنٌه مطابق لعلمه السابق المكتوب في اللوح المحفوظ، فمشيئة الله نافذة، وقدرته شاملة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يخرج عن إِرادته شيء.
    _________
    (1) سورة يس: الآية، 12.
    (2) صحيح سنن الترمذي: للألباني.



    قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] (1) .
    وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِن قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلهَا بَيْنَ إِصْبعيَنِ مِنْ أَصَابِع الرحمنِ، كَقَلْب وَاحِد؛ يُصرِّفهُ حَيْثُ يَشَاءُ» (2) .
    المرتبة الرابعة: الخلق: وهي الإيمان بأن الله خالقُ كل شيء، لا خالقَ غيرُهُ ولا رب سواه، وأَن كل ما سواهُ مخلوق؛ فهو خالق كلِّ عاملٍ وعمله، وكل متحرك وحركته، قال الله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] (3) .
    وأَن كل ما يجري من خير وشرٍ، وكفر وإيمانٍ، وطاعة ومعصيةٍ شاءهُ الله، وقَدَرَه، وخلقه، قال الله تعالى:
    {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [يونس: 100] (4) وقال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] (5) .
    وأَن الله تعالى الخالق المتفرد بالخلق والإِيجاد؛ فهو خالق كلِّ شيءٍ بلا استثناء، لا خالق غيرهُ ولا رَبَّ سواهُ، قال تعالى:
    _________
    (1) سورة التكوير: الآية، 29.
    (2) رواه مسلم.
    (3) سورة الفرقان: الآية، 2.
    (4) سورة يونس: الآية، 100.
    (5) سورة التوبة: الآية، 51.



    {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] (1) .
    وأَن اللهَ يُحبُ الطاعةَ ويكرهُ المعصيةَ، ويهدي من يشاء بفضله ويُضِل مَن يشاء بعدله، قال الله تعالى:
    {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر: 7] (2) .
    ولا حجة لِمَنْ أَضلَه ولا عذر له؛ لأَنَّ الله قد أَرسل الرسل لقطع الحجة، وأَضاف عمل العبد إِليه وجعله كسبا له، ولم يكلفه إِلا بما يستطيع، قال الله تبارك وتعالى:
    {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17] (3) .
    وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3] (4) وقال: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] (5) . وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (6) .
    ولكن لا ينسب الشرّ إِلى الله لكمال رحمته؛ لأَنه أَمر بالخير ونهى عن الشّر، وإنَّما يكون الشر في مقتضياته وبحكمته.
    _________
    (1) سورة الزمر: الآية، 62.
    (2) سورة الزمر: الآية، 7.
    (3) سورة غافر: الآية، 17.
    (4) سورة الإنسان: الآية، 3.
    (5) سورة النساء: الآية، 165.
    (6) سورة البقرة: الآية، 286.



    قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] (1) .
    والله تعالى مُنزَّه عن الظلم، ومُتصفٌ بالعدل، فلا يظلم أَحدا مثقال ذرة، وكل أَفعاله عدل ورحمة، قال الله تعالى:
    {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29] (2) .
    وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] (3) .
    وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] (4) .
    والله تعالى لا يُسأل عمَا يفعل وعماَ يشاء، لقوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] (5) .
    فالله تعالى خلق الإنسان وأَفعاله، وجعل له إِرادة، وقدرة، واختيارا، ومشيئة وهبها الله له لتكون أَفعاله منه حقيقة لا مجازا، ثم جعل له عقلا يُميِّز به بين الخير والشرِّ، ولم يحاسبه إِلا على أَعماله التي هي بإِرادته واختياره؛ فالإنسان غير مُجبر بل له مشيئة واختيار فهو يختار أَفعاله وعقائده؛ إِلَّا أَنَّه تابع في مشيئته لمشيئة
    _________
    (1) سورة النساء: الآية، 79.
    (2) سورة ق: الآية، 29.
    (3) سورة الكهف: الآية، 49.
    (4) سورة النساء: الآية، 40.
    (5) سورة الأنبياء: الآية، 23.



    الله، وكل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالله تعالى هو الخالق لأَفعال العباد، وهم الفاعلون لها؛ فهي من الله خلقا وإيجادا وتقديرا، ومن العبد فعلا وكسبا.
    قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29] (1) .
    ولقد رد الله تعالى على المشركين حين احتجُّوا بالقدر، وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148] (2) فرد الله عليهم كذبهم، بقوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148] (3) .
    وأَهل السنة والجماعة: يعتقدون أَن القدر سر الله في خلقه، لم يطَلع عليه مَلَكٌ مُقرَّب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ضلالة، لأن الله تعالى طوى علم القدر عن أَنامه، ونهاهم عن مرامه، قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] (4) .
    _________
    (1) سورة التكوير: الآيتان، 28 - 29.
    (2) سورة الأنعام: الآية، 148.
    (3) سورة الأنعام: الآية، 148.
    (4) سورة الأنبياء: الآية، 23.



    وأَهل السنة والجماعة: يُخاطبون ويحاجون من خالفهم من الفرق الضالة والمنحرفة؛ بقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] (1) .
    وهذا هو الذي آمن به السلف الصَّالح من الصحابة والتابعين ومنَ تبعهم بإِحسان؛ رضوان الله تعالى عليهم أَجمعين.
    _________
    (1) سورة النساء: الآية، 78.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 التعليقات:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الإيمان وأركانه Rating: 5 Reviewed By: kimomido
    Scroll to Top