مكانة المسجد في الإسلام
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام
على محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الكرام والتابعين
لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فلا شك أن للمساجد أهمية عظمى، ومكانة سامية رفيعة في المجتمع المسلم أعطاها لها
ديننا الحنيف، ورتَّب ثواباً جزيلاً على عمارتها، والاعتناء بها، ومن الأمور التي
تدل على هذه المكانة العظيمة ما يلي:
1.
أن المسجد يسمى بيت الله تبارك وتعالى، وفي هذا دلالة على قدسية المسجد ونزاهته،
وخلِّوه من الأغراض والمقاصد الدنيوية، وأن من يدخله لابد أن يجعل عمله خالصاً لله
تبارك وتعالى وحده لا شريك له قال تعالى: {وَأَنَّ
الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}(الجن:18) قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: "يقول تعالى آمراً عباده أن يوحدوه في
مَحَالِّ عبادته، ولا يُدعى معه أحد، ولا يشرك به"1.
2.
فضل إنشاء المساجد وعمارتها، ونظافتها والاهتمام بشؤونها وتزويدها بما تحتاجه من
خدمات، وأن ذلك العمل دلالة على الإيمان والبشرى بالرحمة والرضوان من الله الكريم
المتعال قال جل جلاله في محكم التنزيل: {إِنَّمَا
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ
الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن
يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}(التوبة:18)، وقال عثمان بن عفان رضي الله
عنه عندما قال الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم (أي:
في الإنكار على ما فعلته)، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من
بنى مسجداً (قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به
وجه الله) بنى الله له مثله في الجنة)) رواه البخاري برقم (439)؛ ومسلم برقم
(533).
3.
فضل إتيان المسجد والذهاب إليه في كل صلاة، حتى يصير قلب الإنسان معلقاً به قال
الله تبارك وتعالى:
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ
وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(الأعراف:29)،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به
الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ
الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم
الرباط)) رواه مسلم برقم (251)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ((من غدا إلى المسجد وراح أعدَّ
الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح)) رواه البخاري برقم (631)؛ ومسلم
برقم (669)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام
العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله
اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله،
ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت
عيناه)) رواه البخاري برقم (629)، واللفظ له؛ ومسلم برقم (1031)، والشاهد
قوله: "ورجل معلق قلبه بالمساجد".
4.
أن المساجد أحب البقاع إلى الله تبارك وتعالى، وفي هذا دلالة على فضل المسجد
والاهتمام به، ومحبته، وإيثار البقاء، وانتظار الصلاة فيه ففي الصحيح من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله
أسواقها)) رواه مسلم برقم (671).
5.
أن المسجد موضع تنزل الرحمات، واستجابة الدعوات، والبشرى بالطيبات، ومنسكاً للأعمال
الصالحات لقول الله تبارك وتعالى: {فَنَادَتْهُ
الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ
بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا
مِّنَ الصَّالِحِينَ}(آل عمران:39)، وقد عظم الله شأن المساجد، وأثنى على
الذين يعمرونها بالطاعة، ووعدهم جزيل الثواب قال تعالى: {فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ
فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا
بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ
أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ}(النور:36-38).
6.
اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة ببناء المسجد النبوي، وكان هذا
هو أول عمل أقامه بعد وصوله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وجعله مكاناً لانطلاق
دعوة الإسلام الحنيف إلى مشارق الأرض ومغاربها، كما جعل منه صلى الله عليه وسلم بيت
المسلمين الكبير، وجامعتهم العظيمة، ومأواهم في السراء والضراء، فكانت إذا نزلت
نازلة أو حدث أمرٌ أمرَ بلالاً رضي الله عنه فينادي الصلاة جامعة.
بل إن أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه مهاجراً من مكة إلى
المدينة هو تأسيس مسجد قباء، أول مسجد أسس على التقوى، وفي هذا العمل منه صلى الله
عليه وسلم حكمة عظيمة، ومغزى هام في التأكيد على أهمية المسجد، واعتناء الإسلام به
قال الله تبارك وتعالى: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى
التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ
يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(التوبة:108).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا بطاعته ورضاه، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه، ونسأله الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل،
وأن يوفقنا للاهتداء بهديه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا
محمد وآله وصحبه.
1
انظر تفسير القرآن العظيم (4/431) للحافظ إسماعيل بن
عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء، دار الفكر - بيروت (1401هـ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق