تشرع صلاة الخوف في كل قتال مباح ; كقتال الكفار والبغاة
والمحاربين ; لقوله تعالى :
{ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ }النساء101وقيس
عليه الباقي ممن يجوز قتاله , ولا تجوز صلاة الخوف في قتال
محرم .
والدليل على مشروعية صلاة الخوف الكتاب والسنة والإجماع :
قال الله تعالى :
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ
فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ
أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ
وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ
مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ }النساء102
قال الإمام أحمد رحمه الله : " صحت صلاة الخوف عن النبي
صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة كلها جائزة " اهـ
.
فهي مشروعة في زمنه عليه الصلاة والسلام , وتستمر
مشروعيتها إلى آخر الدهر , وأجمع على ذلك الصحابة وسائر
الأئمة ما عدا خلافا قليلا لا يعتد به .
وتفعل صلاة الخوف عند الحاجة إليها سفرا وحضرا , إذا خيف
هجوم العدو على المسلمين ; لأن المبيح لها هو الخوف لا
السفر , لكن صلاة الخوف في الحضر لا يقصر فيها عدد الركعات
, وإنما تقصر فيها صفة الصلاة , وصلاة الخوف في السفر يقصر
فيها عدد الركعات إذا كانت رباعية , وتقصر فيها الصفة .
وتشرع صلاة الخوف بشرطين :
الشرط الأول
: أن يكون العدو يحل قتاله كما سبق .
الشرط الثاني :
أن يخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة ; لقوله تعالى :
{ إِنْ
خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ }النساء101وقوله
:
{ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ
عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ
عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً }النساء102
ومن صفات صلاة الخوف الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه
وسلم في حديث سهل ابن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه ,
وقد اختار الإمام أحمد العمل بها ; لأنها أشبه بالصفة
المذكورة في القرآن الكريم , وفيها احتياط للصلاة واحتياط
للحرب , وفيها نكاية بالعدو , وقد فعل عليه الصلاة والسلام
هذه الصلاة في غزوة ذات الرقاع , وصفتها كما رواها سهل هي
: أن طائفة صفت مع النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة وجاه
العدو , فصلى بالتي معه ركعة , ثم ثبت قائما وأتموا
لأنفسهم , ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو , وجاءت الطائفة
الأخرى , فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته , ثم ثبت
جالسا وأتموا لأنفسهم , ثم سلم بهم " متفق عليه .
ومن صفات صلاة الخوف ما روى(
جابر , قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
الخوف , فصففنا صفين - والعدو بيننا وبين القبلة - , فكبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا , ثم ركع وركعنا
جميعا , ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا , ثم انحدر
بالسجود والصف الذي يليه , وقال الصف المؤخر في نحر العدو
, فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود , وقام الصف
الذي يليه ; انحدر الصف المؤخر بالسجود , وقاموا , ثم تقدم
الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم , ثم ركع وركعنا جميعا , ثم
رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا , ثم انحدر بالسجود والصف
الذي يليه وكان مؤخرا في الركعة الأولى , وقال الصف المؤخر
في نحر العدو , فلما قضى صلى الله عليه وسلم السجود , وقال
الصف الذي يليه ; انحدر الصف المؤخر بالسجود , فسجدوا , ثم
سلم صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا
)رواه
مسلم
.
ومن صفات صلاة الخوف ما رواه ابن عمر , قال
:(
صلى النبي صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين
والأخرى مواجهة العدو , ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم
مقبلين على العدو , وجاء أولئك , فصلى بهم ركعة , ثم سلم ,
ثم قضى هؤلاء ركعة , وهؤلاء ركعة)
متفق عليه
.
ومن صفات صلاة الخوف أن يصلي بكل طائفة صلاة , ويسلم بها ,
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
ومن صفات صلاة الخوف ما
رواه (
جابر ; قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , "
حتى إذا كنا بذات الرقاع " قال : " فنودي للصلاة , فصلى
بطائفة ركعتين ثم تأخروا , فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين "
قال : " فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم
ركعتان )متفق
عليه
.
وهذه الصفات تفعل إذا لم يشتد الخوف , فإذا اشتد الخوف ,
بأن تواصل الطعن والضرب والكر والفر , ولم يمكن تفريق
القوم وصلاتهم على ما ذكر , وحان وقت الصلاة ; صلوا على
حسب حالهم , رجالا وركبانا , للقبلة وغيرها يومئون بالركوع
والسجود حسب طاقتهم , ولا يؤخرون الصلاة , لقوله تعالى :
{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }البقرة239أي
: فصلوا رجالا أو ركبانا , والرجال جمع راجل , وهو الكائن
على رجليه ماشيا أو واقفا , والركبان جمع راكب .
ويستحب أن يحمل معه في صلاة الخوف من السلاح ما يدفع به عن
نفسه ولا يثقله , لقوله تعالى :
{ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ }النساء
102
ومثل شدة الخوف حالة الهرب من عدو أو سيل أو سبع أو خوف
فوات عدو يطلبه ; فيصلي في هذه الحالة راكبا أو ماشيا ,
مستقبل القبلة وغير مستقبلها , يومئ بالركوع والسجود .
ونستفيد من صلاة الخوف على هذه الكيفيات العجيبة والتنظيم
الدقيق : أهمية الصلاة في الإسلام , وأهمية صلاة الجماعة
بالذات ; فإنهما لم يسقطا في هذه الأحوال الحرجة ; كما
نستفيد كمال هذه الشريعة الإسلامية , وأنها شرعت لكل حالة
ما يناسبها , كما نستفيد نفي الحرج عن هذه الأمة , وسماحة
هذه الشريعة , وصلاحيتها لكل زمان ومكان .
نسأل الله أن يرزقنا التمسك بها والوفاة عليها ; إنه سميع
مجيب .
0 التعليقات:
إرسال تعليق